قدرت منظمة الهجرة الدولية عدد المهاجرين في العالم بـــ 281 مليون نسمة أي ما يعادل 3,6 بالمائة من سكان العالم سنة 2020. وقد شهدت ظاهرة الهجرة، خلا العشريتين الأخيرتين، تطورا رغم تراجع نسق تدفق المهاجرين مؤخرا جراء انتشار جائحة "كوفيد-19". لم تكن تونس بمنأى عن هذا المشهد، لا سيما منذ سنة 2011، حيث عرفت البلاد تدفقات هجرية مختلفة. و لفهم و رصد ظاهرة الهجرة كان لابد من إيجاد معطيات ذات مصداقية و تشمل مختلف فئات المهاجرين

و يعتبر "المسح الوطني للهجرة الدولية" الذي قام بإنجازه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة، بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، المسح الأول من نوعه، و يهدف أساسا الى توفير بيانات و مؤشرات من شأنها دعم نظام المعلومات في مجال الهجرة و يكون بالتالي خطوة هامة و أساسية لإرساء حوكمة أكثر نجاعة في مجال الهجرة، فنتائج هذا المسح هي أداة قيمة لتحليل الظاهرة و صياغة السياسات ووضع استراتيجيات من أجل هجرة امنة، منظمة و نظامية

شمل "المسح الوطني للهجرة الدولية" ثلاث فئات من المهاجرين: المهاجر الحالي والمهاجر العائد و المقيم الأجنبي في تونس، بالإضافة الى المواطن التونسي المقيم الذي لم يسبق له الهجرة لمعرفة آرائه و نواياه فيما يخص الهجرة خارج تونس

الغير مهاجرين

يعتبر غير مهاجرا، في إطار المسح الوطني للهجرة الدولية، كل شخص تونسي الجنسية مقيم بتونس بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، وصرح بأنه لم يُقِم أكثر من ثلاثة أشهر في بلد بالخارج

و قد أفضت النتائج الى أن قرابة خُمس غير المهاجرين صرح بأن له نية الهجرة خارج تونس. وقد مكن المسح من تحديد خصائص هؤلاء، اذ ان من ينوي الهجرة هو غالبا شاب، عمره بين 15 و24 سنة، أعزب، متعلم وعاطل عن العمل، يقطن بإقليم تونس الكبرى، او بالوسط الشرقي او بالجنوب الشرقي للبلاد، و يُعتبر البحث عن شغل وإيجاد فرص للعيش الكريم من أهم دوافعه للهجرة

وتبقى الدول الأوروبية، و بالأساس فرنسا، إيطاليا وألمانيا، الوجهة المفضلة لـقرابة سبعة أشخاص من عشرة لهم نية الهجرة

و تبقى الهجرة حلما يراود البعض و حقيقة يسعى البعض الاخر لتحقيقها، حيث أن 14,3 بالمئة فقط من بين الذين عبروا عن نيتهم في مغادرة البلاد صرحوا بأنهم قاموا بخطوات فعلية لتحضير مشروع الهجرة

المهاجرون الحاليون

يعتبر مهاجرا حاليا كل شخص تونسي الجنسية بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، كان قد أقام بتونس ويقيم حاليا في الخارج لمدة تتجاوز ثلاث أشهر. واستنادا الى هذا التعريف، يقدر عدد المهاجرين التونسيين الحاليين بحوالي 566 ألف شخص (388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء). يُقيم ثلاثة ارباعهم بثلاث دول أوروبية: فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وأما عن مكان اقاتهم الأصلية بتونس فيتمركز  ثلاثة ارباعهم بإقليم  الشمال الشرقي و تونس الكبرى والوسط الشرقي

غادر نصف المهاجرين الحاليين تقريبا من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم أما التجمع الأسري فكان السبب الرئيسي لمغادرة ثلثي المهاجرات

و تتميز الهيكلة العمرية للمهاجرين الحاليين بغالبية نسبية لفئة الشباب، حيث أن أربعة مهاجرين من 10 تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وتنطبق هذه الهيكلة على كلا الجنسين. كما أن المهاجر الحالي يتمتع بمستوى تعليم أفضل مقارنة بالسكان المقيمين بتونس، حيث ان مهاجرا من ثلاث له مستوى تعليم عالي، بينما تمثل نسبة المهاجرين من غير المتعلمين اقلية (3.3 بالمئة)، وقد عرفت هجرة ذوي المستوى التعليمي العالي تسارعا في نسقها  خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل الذكر، غادر 39000 مهندس و 3300 طبيب البلاد بين 2015 و 2020 من أجل فرص عمل بالخارج

اثناء اجراء المسح، 55.5 بالمئة من المهاجرين الحاليين صرحوا انهم يزاولون نشاط مهني في بلد المهجر (68.1 بالمئة من بين رجال مقابل 28.2 بالمئة من بين النساء)، في حين كانت هذه النسبة قبل الجائحة تقدر بـ 63.4 بالمئة وهو ما يبرز الأثر السلبي للأزمة الصحية على نشاط التونسيين هناك. أما أهم القطاعات المشغلة للمهاجرين الحاليين فتتمثل أساسا في قطاع البناء (17 بالمئة) والايواء والمطاعم (13.7 بالمئة) والتجارة (8.7 بالمئة) ثم يأتي بعد ذلك قطاع الصناعة التحويلية (8.1 بالمئة) والفلاحة والصيد البحري (7 بالمئة)

فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح واحد على عشرة مهاجرين حاليين أنه قام باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر. وتتعلق هذه الاستثمارات أساسا بمجالات البناء و العقارات و الفلاحة و التجارة، الا ان تنفيذ هذه المشاريع يواجه العديد من الصعوبات في تونس والمتمثلة، حسب تصريح المهاجرين، في الإجراءات الإدارية المعقدة ومحدودية رأس المال، والفساد والمحسوبية، فضلاً عن ضعف المساعدات المالية والحوافز الضريبية في تونس

والجدير بالملاحظة، ان نصف المهاجرين الحاليين قام بالهجرة خلال العشريتين الأخيرتين وان البلدان الأوروبية تسجل أطول فترات إقامة للمهاجرين، وهي البلدان التقليدية لهجرة التونسيين في حين تسجل دول الخليج فترات إقامة أقل

المهاجرون العائدون

يعتبر مهاجرا عائدا، في إطار هذا المسح، كل شخص تونسي الجنسية، يقيم حاليا بتونس، اقام سابقا بالخارج لفترة ثلاث أشهر فأكثر ويبلغ من العمر 15 سنة فما فوق عند عودته الى تونس. واستنادا الى هذا التعريف، فإن عدد المهاجرين العائدين، ولا يزالون على قيد الحياة اثناء المسح، بلغ 211 ألف شخص (176 ألف من الرجال و35 ألف من النساء)

استقر المهاجرون العائدون أساسا بثلاث أقاليم وهي تونس الكبرى والوسط الشرقي والجنوب الشرقي. و قد عاد ما يقارب 80 بالمئة من المهاجرين من ليبيا و فرنسا و إيطاليا.  ورغم تطور نسبة المهاجرات لا سيما خلال السنوات الأخيرة فإن ظاهرة العودة تبقى ذكورية بامتياز (83.5 بالمئة). كما تشهد هجرة العودة تباينا حسب الهيكلة العمرية فترتفع نسبيا بين الشباب ثم تنخفض لدى الفئة العمرية 45 -59 سنة لترتفع مجددا بالنسبة للفئة العمرية 60 سنة فما فوق، أي بحلول سن التقاعد. عرف المستوى الدراسي للعائدين تحسنا مع مرور الزمن، فنسبة الذين لم يزاولوا الدراسة عرفت تراجعا كبيرا في حين ارتفعت نسبة ذوي المستوى التعليمي العالي خاصة من بين المهاجرات العائدات

يمثل البحث عن شغل اهم دافع لهجرة ما يقارب 72 بالمئة من المهاجرين العائدين، اما أسباب العودة فيصرح مهاجر على اثنين انه عاد الى تونس من تلقاء نفسه لأسباب عائلية (الزواج، الانفصال، تجميع العائلة، دراسة الأبناء، ...)، او لبلوغ سن التقاعد. بينما صرح البقية ان عودتهم الى تونس لم تكن ارادية وانما فرضتها الظروف في بلدان المهجر او لنهاية العلاقة التعاقدية أو اثر عملية ترحيل

وفي نفس الإطار، صرح ثلث المهاجرين العائدين انهم واجهوا صعوبات إثر عودتهم الى تونس خاصة فيما يتعلق بالشغل ومستوى الدخل بينما واجهت النساء العائدات مشاكل اجتماعية خاصة (صعوبة الاندماج، الخلافات العائلية)

فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح خمس المهاجرين العائدين قيامهم باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر و طول الفترة المقضاة بالخارج و قد اعتبر المهاجرون العائدون أن الاستثمار في تونس مكبل  من خلال التعقيدات الإدارية وضعف التحفيز الجبائي والفساد و حجم السوق الداخلي

المقيمون الأجانب بتونس

يعتبر مقيما أجنبيا، في إطار هذا المسح، كل شخص مقيم أو ينوي الإقامة بالتراب التونسي لمدة 6 أشهر على الأقل حاملا لجنسية اجنبية. واستنادا الى هذا التعريف، فإن عدد الأجانب المقيمين عند اجراء المسح يقدر بـ 59 ألف شخص. و يمثل الوافدون من بلدان المغرب العربي 37 بالمئة و من بقية البلدان الافريقية 36.4 بالمئة و من الدول الأوروبية 18.5 بالمئة ، وتجدر الإشارة الى ان الوضعية الصحية الحرجة جراء ازمة "كوفيد-19" أدت الى مغادرة نسبة هامة من الجالية الأوروبية الى بلدانهم الأصلية بما ان وضعية الاقامة في تونس والمساعدة التي تلقوها من سلطات بلدانهم يسرت لهم السفر في تلك الفترة. في حين ارتفع عدد الوافدين من البلدان الإفريقية غير المغاربية في السنوات الأخيرة من 7200 شخص خلال سنة 2014 الى 21.466 عند إجراء المسح

و تعرف هذه الفئة تمركزا جغرافيا كبيرا حيث يقطن قرابة 80 بالمئة بتونس الكبرى او بالوسط الشرقي، مع العلم أن هاته الأقاليم الساحلية تمتاز ببنية تحتية حديثة مقارنة ببقية الأقاليم وتتوفر فيها فرصا للعمل و الخدمات الأساسية، إضافة الى تمركز مؤسسات التعليم العالي بها

هذا و قد صرح الوافدون ان قدومهم الى تونس راجع لثلاث أسباب رئيسية: التجمع العائلي بنسبة 36.6 بالمئة و تحسين مستوى العيش بنسبة 35.1 بالمئة و الدراسة بنسبة 15.5 بالمئة

و قد اسفرت نتائج المسح على أن ست من عشرة مقيمين أجانب ينوون البقاء في تونس، من بينهم ثلثين لهم نية الرجوع الى البلد الأصل

Loading...

Style Selector

Layout Style

Predefined Colors

Background Image